مضت الأيام على شمس وأخذت تتذكر أيام الشقاء والعناء وإتكأت على جدار دهليز المنزل وإلتقطت أنفاسها التي كانت تخرج من خلجات صدرها كبركان منطفأ وهامت في واحة الذكريات بداية من موت زوجها حسن ونزولها حقول القطن وتذكرت أيام العناء وخاصة ابنتها ” زينب” لأنها كا نت قريبة من قلبها .كانوا يذهبون إلى الحقل قبل بزوغ الشمس وكان طعامهم الخبز والعشب والجبن المملح. كانوا ينشدون أنشودة الرجاء في الخلاص من شمس أغسطس الحارقة التي تلفحهم بلهيبها المسلط على وجوههم المشرقة التى طمست معالمها،فكان الأطفال يرددون أنشودة الحقل وتقودهم زينب بالغناء وكانت الأغنية كالأتي:-
ياشمس دلى حبالك
مالنا إحنا ومالك
نارك في وجوهنا
عينك على عيونا
يارب طوي يومنا
بسماع آذانا
وأرحمنا يا جبارنا
وننهي يومنا
ونعود لبيوتنا
وطبعا عندما يسمع” الخولي عبد الجبار ” أغنية الحقل كان يعاقبهم بخصم نصف اليومية وحرمانهم من الراحة في الغذاء لأنه كان شخص متسلط لم ينجب أطفال وكان دائما متوتر مع زوجته التي كانت تكرهه لقسوته وغلظته.شخصية مثل ” عبد الجبار” كانت محببه لدى الإقطاعيين لأنهم يعشقون القسوة والسيطرة على فقراء ريف مصر.
تذكرت شمس أبنها ” محمد” وأصدقائه” فريد وعلي” محمد كان طفل شقي لا يتعدي العاشره من عمره كان يهرب من كرباج” الخولي عبد الجبار إلى الرهان مع أصدقائه في الألعاب القاتلة مثل السباق في العوم في ترعة المنصورية والقفز من أعلى قطار الدلتا وهو مسرع وكانت الجائزه ” كوز ذرة” كان يفضل الرهان للهروب من الجبار” عبد الجبار” وكانت شمس تخاف على ” محمد” من كثرة حركته وشقاوته الجنونية وكان أصدقائه أقل منه في المغامرات.
كان ” فريد من أسرة صغيرة تكاد منعدمة لأنه طفل نشأ يتيما يقيم مع والدته ويربون ماشية يتقوتون منها، أما ” علي” كان من أسرة فقيرة معدمة لايملك سوى قميص واحد يرتديه أكتر من ثلاثة أعوام وكانوا ملازمين لمحمد طوال الوقت لايتفرقوا أبدا.
كانت شمس تذهب إلى الحقل وتترك أولادها الصغار ” إبراهيم ونعمة مع أختهم من الأب ” سنية” كانت محبة لشمس وأولادها لأنهاكانت تعطف عليها وقامت بتربيتها منذ وفاة أمها وهي رضيعة.كانت ” سنية” تصطحب الأطفال إلى كتاب سيدنا” الشيخ محمود” يحفظون القرأن هناك ويلعبون مع الصغار في ” الجرن” .ظلوا يعانوا في الطفولة مرارة اليتم والحرمان .كان الفقر هو السائد في هذه الحقبة الزمنية لذا لم يقدر أحد على مساعدتهم بشيء وكان طعامهم في العيد رطل من الدهن مع فتات الخبز.
مرت الأيام عليهم وٱلتحق ” محمد وزينب بالمدرسةالإعدادية التي تبعد عن القرية حوالي ثلاث كيلو مترات سيرا على الأقدام وسط الحقول والطريق المخيف.تذهب زينب مع رفيقاتها” رقية وخديجة” وكذلك ” محمد” مع” فريد وعلى” أما الأطفال ” إبراهيم ونعمة إلتحقوا بالمدرسة الإبتدائية بالقرية” ذادت مصاريفهم اليومية من شراء أدوات للمدرسة وكذلك بدأوا يصوبوا وجههم على أقرانهم بالمدرسة وخاصة” محمد وزينب .أصبحت يومية ” عبد الجبار لشمس لاتكفي شيء بالرغم من نزول ” سنية” للعمل مع شمس في الحقول .
أصبح الكل يعاني من ندرة النقود ولا يدرون ماذا يصنعون.أصبح أمامهم إحدى الخيارين.إما ترك المدرسة أو البحث عن حل
فكروا معي في إيجاد مخرج لهم.
إلى اللقاء في الجزء الثالث من شمس الأصيلة.

More Stories
حين تغيّر الحلم أو تغيّرنا نحن؟
كنتُ الأمان فاتهموني أني الوجع /حين شُبّهتُ بغيري وظُلِمت بصدق مشاعري
حين أخذتك السماء وأغلقت خلفك الأبواب