نوفمبر 16, 2025

جريدة الحياة نيوز

رئيس مجلس الادارة : نسرين رمزي

“سمك لبن تمر هندي” بقلم طارق الشناوي

نطالع كل يوم بالرغبة في التطوير والانطلاق إلى مصاف الدول المتقدمة التي نحاول نقل خبراتهم في مختلف المجالات ومن بينها أكثرهم تقدم ونظام واحترام لآدمية الإنسان طفلا كان أو بستان إلا وهي اليابان, وقد سمعنا أن السيد الرئيس شاهد تقدم التعليم لديهم وأعجب بطريقتهم في التعامل مع الأطفال والأنشطة المختلفة التي يمارسونها لتؤهلهم بشكل يضمن لهم الاستقلالية والتفكير المنظم والتعاون وغيرها من القيم والأخلاقيات التي نبحث عنها في مدارسنا التي تراجعت حتى اصطدمت بالحائط وهدمته وقتلت من كان يحتمي خلفها, نحترم طموح وتمنيات السيد الرئيس ولكن يجب أن يواكب أمنياته وقراراته دراسات تحقق الأهداف المرجوة وليس تنفيذ القرار لمجرد صدوره من الريس ولو كان على حساب أطفال وأولياء أمورهم والمجتمع بأثره, وحتى يتم النجاح الذي يمكن أن نبني عليه, وهنا نتسائل حتى نرى المشهد بوضوح أمامنا ولا نتجنى على أحد ونرجو الإجابة عليها؟
بداية هل تجربة مدارس اليبانية المصرية فكرة مرت بمراحلها الطبيعية من دراسة وبحث. هل تم الاقتناع بأنها تناسب المجتمع المصري بكل ما فيها من مميزات أم تحتاج لبعض التطوير؟ هل تدرب على تطبيقها العدد المناسب وبالشكل الذي يضمن قدرتهم على تطبيق النظام الجديد من أنشطة وغيرها بالكفاءة المطلوبة لتحقيق المستهدف منها؟ هل يكفي خمسة عشرة يوم تدريب في اليابان للمعليمين والإداريين لتمكنهم من التطبيق المناسب؟ هل استمرار المدارس بتدريس نفس المناهج ونفس الكم ونفس الحشوو وغيرها من المعقدات التعليمية المصرية سوف تناسب وتواكب الأنشطة المتنوعة التي تصل إلى أحد عشرة نشاطا؟ فمتى؟ وكيف؟ هل المعلمون والمعلمات بخلفياتهم الثقافية الموروثة والمعتادة والتي أصبحت عادة وعرفا سوف يتخلصون منها في يوم وليلة ويصبحون يبانيون يطبقون التجربية اليابنية بشكلها الحقيقي؟ هل التجديد والتطوير سيقتصر على مدارس ذات مباني حديثة ومصروفات عالية ومدرسون حاملين لمؤهلات علية تربوية وأطفال قادرون على دفع المصروفات حتى يعود التعليم إلى ما قبل المجانية الغير موجودة بالفعل في مدارسنا الحكومية قبل الخاصة؟ هل هذه المدارس ستخلو من الدروس الخصوصية وتكتفي بالأنشطة ويتعفف كل معلم عن مد يده وفرض سيطرته على أولياء أمورهم لتفريغ جيوبهم أكثر من الرسوم المفروضة لدخول هذه المدارس؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تدور في نفوسنا ومخيلاتنا وتجعلنا نقدم رجل ونؤخر أخرى لإماننا بأننا دائما ما نندفع إلى كل فكرة جديدة دون دراسة لنشوهها ونطمس معالمها المتميزة لتصبحة فكرة مخالفة عن مصدرها لتصبح التجربة المصرية التي تعكس أصالة فكرنا وقوة تقاليدنا.
ولا شك أنها فكرة جيدة ولكنها تحتاج إلى عدة أمور تجعلها ناجحة ومؤثرة في مجتمعنا الذي مر من قبل بها ولكننا نسينا أن وزارتنا تسمى التربية والتعليم أي أنها كانت تهتم بالتربية قبل التعليم ولكن هذا اندثر مع عوامل التعرية وأصبحنا نستوردها من الخارج, وأن كل المتميزين في في مجتمعنا والذين كان لهم أثر بالغ في مجالاته المختلفة تعلموا بمدارس مصرية كانت تهتم بالأنشطة الرياضية والفنية وكان معلموها يحافظون على تهذيب وتأديب طلابهم ويراعون كل القيم والأخلاق التي نعمل على استيرادها الآن من اليابان.
أعتقد أنه من الضروري إعادة النظر في تطوير مناهج الكليات التربوية الموجودة بمصر ووضع الفكر المتنوع سواء كان ياباني أو أمريكاني حسب التطوير والحداثة التي نبحث عنها حتى ينمو معلم متميز قادر على نقل وتطوير الفكر بما يناسب مجتمعاتنا, ويستكمل دراساته في وضع برامج وطرق لتطبيقها على أطفال لم يقعوا في شباك مناهجنا التي تراجعت بعقله وجسده وأخلاقه.
ضرورة عمل وزارة التربية والتعليم على إرسال خبراء لديهم القدرة بلورة ما يشاهدونه وينقلونه في مناهج جديدة تناسب الفكر المنقول حتى لا يتعارض مع التوجه الجديد وبعيدا عن الخلط الذي يحدث دائما من العجلة والتسرع في التطبيق, فالذي نطالب به هو وضع الأساس الذي يمكن أن نبني عليه دون أن ينهار بنا في أول زلزال يمكن أن يضرب الفكرة.
وإذا كنا نتعجل الأمر ولا ننتظر كل هذه الإجراآت فيجب استقطاب خبراء من اليابان في التعليم في الإدارة وتفعيل الأنشطة الطلابية للإشراف على المدارس المنشأة لهذا الغرض ومتابعة كل معلم سينتمي لهذه المنظومة وتقييمه ونقل خبراتهم إليه في دورات مستمرة وتعديل مسار حتى نكتسب بعض الخبرات المتراكمة لديهم مثل مشروع مترو الأنفاق الذي أدارته فرنسا, وإلى جانب ذلك يجب العمل على تخفيف المناهج وتطويرها بما يناسب الأنشطة المقترحة حتى تتكامل الفكرة, فليس من المعقول الخلط بين مناهج عكف المدرسون على حشوها في رأس الأطفال ولا توجد فرصة كافية لأداء أي نشاط غير الدروس الخصوصية والعجلة في إنهاء المنهج خوفا من انتهاء الترم المسروق الذي لا يكاد يبدأ ثم ينتهي بلا أي استفادة نشعر بها مع أطفالنا إلا فراغ الجيوب والديون والدوران حول أنفسنا نعاني من فقر في التعليم والأخلاق والقيم والعقول التي أصبحنا نلهث وراء عودتها لمسارها الطبيعي فنتشبث بكل جديد وارد لنا من الخارج ونعتقد أنه في مصلحة أولادنا, وأكثر ما أخشاه أن تكون هذه التجربة وغيرها من التجارب المستوردة هي بداية لتحويل المصروفات المدعومة بمدارسنا الحكومية إلى مصروفات خالية من الدعم برغبتنا في حياة أفضل وتعليم يحقق ما نأمله في أولادنا الذين تاهوا ونحن معهم ونبحث جميعا عن الحقيقة التي ستخرجنا مما نحن فيه.
وأخيرا نصيحة إذا كان الهدف التطوير ونقل التجربة اليابانية بأنشطتها مع ثبات كل شيء من مناهج ومدرسين وطلاب وإدارات إذن فيمكن تطبيقها فكل مدارسنا من الآن مع تعيين مجموعة من خبراء اليابان في التعليم للتفتيش والتقييم وإبداء الملاحظات مع رفع المصروفات قليلا بما يناسب الأنشطة المطبقة وتكون لكل المراحل دون استثناء ويستفيد بها من يستفيد والذي يمكن انتقائه ووضعه في مدارس تحتضن تفوقه ليصبح مؤثر في المستقبل, ولا نود أن نعود للوراء بتحكم المال في مستقبل أطفالنا وتختفي العباقرة منهم في ظل الفقر والعوز والحرمان ولعنة المجتمع الذي يفرق ويعطي من لا يستحق, إلى جانب تحويل الأموال الطائلة التي تنفق على البعثات المتتالية للمعلمين لإقامتهم وتدريبهم باليابن لتطوير المدارس وإنفاقها على الأنشطة المقترحة. نرجو المراجعة والتوضيح أفادكم الله.